الجمعة, أبريل 18, 2025
- Advertisment -
Google search engine
الرئيسيةآراءمن يقنع اليهود بالتعايش مع المختلف؟ ⁨

من يقنع اليهود بالتعايش مع المختلف؟ ⁨

■.. زيد الفضيل⁩

●.. في نهاية القرن 19م شكل ثيودور هرتزل القاعدة الأولى للحركة الصهيونية التي عملت على إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وحاول استغلال ظرف السلطان عبدالحميد الثاني المالي ولم ينجح، ثم استغل وفريقه احتياج بريطانيا المالي جراء احتدام الحرب العالمية الأولى لينتزعوا وعدا من وزير خارجيتها آرثر بلفور بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين الذي اشتهر باسم وعد بلفور عام 1917م، ومما جاء فيه: «تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر».

هكذا بدأت الحكاية التي أخذت في التعاظم ككرة ثلج حتى جرى إعلان تأسيس دولة يهودية عام 1948م في ظل الاحتلال البريطاني لفلسطين، والتي رفضها العرب في حينه، وخاضوا أولى معاركهم من أجلها، وكان أن فشلت القوات العربية في تخليص فلسطين من يد الاحتلال اليهودي بسبب ضعف العرب وتشتتهم، وتكاتف الغرب في دعم المشروع الصهيوني على أرض العرب الفلسطينية.

لقد جاءت إسرائيل لتحقق غاية بريطانية بوجه خاص، حيث كانت الخشية حاضرة في الذهن الغربي من حدوث أي نهضة في محيط الوطن العربي تؤدي إلى توحيد العرب وتعاظم قوتهم، أسوة بما كان قد بدأه محمد علي باشا في الثلث الأول من القرن 19م، والذي جرى تكميم قوته وحصاره في حدود مصر فقط؛ وكان من جراء ذلك أن انبثقت فكرة زرع جسم غريب وسط المنطقة العربية ليكون نقطة ارتكاز للقوة البريطانية البروتستانتية المذهب وقاعدة لهم في المنطقة، لاسيما وأن الوجود العربي المسيحي لا ينتمي إليهم، فالعرب بين كاثوليك وهؤلاء برعاية الحكومة الفرنسية الكاثوليكية، أو أرثوذكس وهم برعاية الحكومة الروسية الأرثوذكسية.

إذن بات واضحا أن دوافع زرع الكيان الإسرائيلي راجع إلى رغبة بريطانيا ووريثتها الشرعية الولايات المتحدة الأمريكية في تأكيد قوتها وحضورها جيوسياسيا في المنطقة من خلال جسم حقيقي، ولأجل ذلك فقد استحدثوا مصطلح «الشرق الأوسط» ليكون بديلا عن مصطلح «العالم العربي»، حيث سيسمح المصطلح الجديد من وجود كيان دولة إسرائيل، اليهودية العرق والديانة، وبقيادة (الإشكناز) وهم من أرومة أوروبية، وسط جسم وفي بيئة لا تنتمي إليه عرقا وثقافة.

وبذلك أصبحت إسرائيل دولة شرق أوسطية أسوة بغيرها من الدول العربية المحيطة بها، على أن السؤال المهم هو: هل حققت هذه الاستراتيجية الغاية من وجودها؟ بمعنى أخر، هل تمكنت دولة إسرائيل منذ تأسيسها ومن ورائها الذهن الغربي جملة، من تغيير الذهن العربي وإنهاء الوحدة الوجدانية الجامعة للعرب مسلمين ومسيحيين؟
لقد أثبتت الحرب الجارية على غزة المنكوبة، والتي مارس فيها الكيان الصهيوني عمق توحشه بدعم قميء من الحكومات الغربية، عن حالة التعاطف والتضامن المتأصلة في الوجدان العربي لبعضهم البعض، وأبانت بأن الدم العربي واحد، وأن كل الخطط التي حيكت لتفتيت هذه الوحدة لم تنجح.

كما أثبت التسلسل التاريخي للقضية الفلسطينية بأن الإشكال كان ولم يزل في منهج دولة إسرائيل السياسي وطبيعة حكمهم، القائم على تكريس الفصل العنصري، وازدراء الشعب الفلسطيني المحتل، وممارسة أبشع الأعمال المتوحشة مع شعب عربي لا حول له ولا قوة، رضي بأن يعيش مع المحتل الذي نهب أرضه، وقتل أهله، واستباح كل شيء فيه، ومع ذلك فقد استمر المحتل الإسرائيلي في صلفه وغروره، انطلاقا من إيمانه التوراتي بأن التعامل مع الآخر يكون وفق ثلاث مستويات وهي:
أولا: قتل الشعوب الأخرى والتخلص من نجسهم ودنسهم وفق إيمانهم، وما أكثر الجرائم البشعة في نصوصهم التوراتية.

ثانيا: طرد الناس من الأماكن التي يتواجد فيها العبرانيون إذ لا يجوز أن تبقى شعوب قذرة – وفق وصفهم – بين المختارين المباركين وفق تصورهم.
ثالثا: استعباد الشعوب الأخرى إن تعذر الطرد.

أخيرا، لقد قبل العرب بحل الدولتين، وتبنت المبادرة العربية للسلام ذلك، ورضيت السلطة الفلسطينية أن تتقاسم مع الإسرائيليين المحتلين مدنها وقراها العربية، وأن يعيشوا معهم، والسؤال: من يقنع اليهود بالتعايش مع المختلف وأولهم الشعب الفلسطيني الكريم؟ وأرجو أن يتذكر البريطانيون عهدهم في نص الوعد حين قالوا: «على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين».

وعاشت فلسطين حرة أبية.

مقالات ذات صلة