الوقائع/..
ألقى السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي مساء اليوم الاثنين 6 ذو الحجة 1446هـ الموافق 2 يونيو 2025م، الدرس الرابع ضمن سلسلة دروس القصص القرآني للعام 1446هـ.
حيث واصل السيد القائد عبدالملك الحوثي الحديث حول قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام قائلا: يقول الله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}، الله سبحانه وتعالى أذن لنبي الله إبراهيم في الهجرة؛ لأن استمرار بقائه بين قومه في العراق معناه أن تبقى الرسالة مجمَّدة؛ بينما بالإمكان أن يفتح الله له آفاقاً واسعة، يترتب عليها نتائج كبيرة، وهذا ما حدث من خلال هجرته، ومن خلال نشاطه الواسع، ومن خلال نشره لدين الله سبحانه وتعالى في مواطن أخرى، وكذلك إسكانه لأسرته، بعضاً منهم في مكة، وبعضاً منهم في الشام، وما ترتب على ذلك من نتائج ممتدَّة، وتمتد إلى قيام الساعة.. نبي الله إبراهيم عليه السلام أكمل مهمته فيما يتعلَّق بقومه، وأقام الحُجَّة لله عليهم بشكلٍ كامل؛ ولذلك أعلن نيَّته وقراره في الهجرة، بناءً على إذن الله له، {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}، وفي آيةٍ أخرى أخبر الله عنه أنه قال: {وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
الهجرة لها اعتبارات متعددة منها صلتها بالعزة
وتحدث السيد القائد في محاضرته حول هجرة نبي الله إبراهيم عليه السلام قائلا: أعلن نبي الله إبراهيم عليه السلام هجرته قائلا كما جاء في القرآن الكريم {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، يُعَبِّر عن ثقته بالله سبحانه وتعالى برعايته؛ لأنه الربَّ الذي يتولَّى رعاية عبده فـي كل شؤون حياته، ومتطلبات حياته، وضروريات حياته؛ فهو يُعَبِّر عـن ثقته بالله سبحانه وتعالى، وبرعاية الله الواسعة، وأنَّ الله لن يتركه.. {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، بعد أن وصل في مستوى الخلاف بينه وبين قومه إلى مستوى المباينة، والبراءة، والمتاركة، والمفارقة، وحتى مع محيطه الأسري، هو واثقٌ بأن الله سبحانه وتعالى لن يتركه من رعايته ابداً.
وأضاف السيد القائد: الهجرة أيضاً لها اعتبارات متعدِّدة، فحينما قال هنا: {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، الهجرة لها أيضاً صلة بالعِزَّة، والعِزَّة مسألة أساسية في الانتماء الإيماني؛ ولهذا قال الله جلَّ شأنه فـي القرآن الكريم: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.. {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، أن يبقى الإنسان الذي هو في الانتماء انتماؤه إيماني، أن يبقى- مثلاً- في بيئة هو في واقعه فيها مُستذل، مغلوبٌ على أمره، مقهور، لا يتمكن من أداء التزاماته الإيمانية، لا يستطيع ذلك؛ لأنه محارب، ومضطهد، وممنوع، ولا يمتلك مع رفاقٍ له ليكوِّنوا أُمَّةً مؤمنةً تتمكَّن من القيام بالتزاماتها الإيمانية، وأداء مسؤولياتها الدينية؛ إنما هو في واقع الحال في حالة عجز، وحالة محاربة من جانب الآخرين من ذوي الكفر والباطل والشر، فهذه الحالة هي حالة غير مقبولة إيمانياً.
الواقع الإيماني قائمٌ على أساس أن يكون هناك تحرُّكٌ للمؤمنين ليكوِّنوا أُمَّةً مؤمنة
وقال السيد القائد عبدالملك الحوثي: حين أعلن نبي الله إبراهيم عن نيته للهجرة كما جاء في القرآن الكريم {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، كانت البيئة التي هو فيها بيئة معاصي لله سبحانه وتعالى، معاصي فيما يُرغم على فعله من العصيان، وفيما يرغم على تركه من الواجبات والالتزامات الإيمانية والدينية؛ فلا يَسُوْغ له البقاء في تلك البيئة، عليه أن يهاجر، طالما أمكنته الهجرة إلى بيئة تتوفَّر له فيها الظروف الملائمة، للقيام بالتزاماته الإيمانية، والاستقامة على دينه.. الواقع الإيماني قائمٌ على أساس أن يكون هناك تحرُّكٌ للمؤمنين ليكوِّنوا أُمَّةً مؤمنة، تتعاون فيما بينها على البر والتقوى؛ ولهـذا يذكر الله عن المؤمنين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.. المسيرة الإيمانية هي مسيـرة جماعية، تقوم على أساس أُمَّة تتوحَّد كلمتها على أساس دين الله، وهدي الله، وتعاليم الله، تتآخى في الإيمان، تتحرَّك على أساس التعاون على البر والتقوى، تنهض بالمسؤوليات الجماعية، من أمرٍ بمعروف، ونهيٍ عن منكر… وغير ذلك.
تصبح الهجرة في حالة عجز الإنسان عن هداية الناس التزاماً إيمانياً
وأضاف السيد القائد: الإنسان في الحالة الفردية يرى نفسه في حالة عجز، هذه الحالة الحل لها ما هو؟ الحل لها هو الهجرة.. تصبح الهجرة في مثل هذه الحالات التزاماً إيمانياً بنفسها، ومن ضمن المسؤوليات والواجبات، التي على الإنسان أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى طالما هناك بيئة أخرى، أو منطقة أخرى، تتوفَّر فيها الظروف الملائمة أكثر للاستقامة، للالتزام الإيماني، للالتزام الديني… وهكذا.
الله سبحانه وتعالى اختار لنبيه إبراهيم أن تكون هجرته إلى أرض باركها الله
وتحدث السيد القائد حول موقف نبي الله لوطاً مع نبي الله إبراهيم عليه السلام قائلا: من الواضح أن لوطاً وقف مع نبي الله إبراهيم عليه السلام ما بعد قصة محاولة الإحراق، ليس فقط موقف المؤمن المُصَدِّق؛ وإنما موقف المؤيِّد والمعاون؛ ولهذا أتى في التعبير القرآني: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}.. {آمَنَ لَهُ}، فهو وقف معه، هو مؤمنٌ به، ولكن ما بعد محاولة الإحراق وقف أيضاً في موقف مناصرة، ومعاونة، ومؤازرة، وكان في موقفٍ واضحٍ معه، فكان مهاجراً معه.. الله سبحانه وتعالى اختار لنبيه إبراهيم عليه السَّلام أن تـكون هجرته إلى الأرض التي كما قال الله عنها: {بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}، بارك الله فيها البركات الواسعة، وهي بلاد الشام، يتَّضح ذلك أيضاً من سورة الإسراء… ومن آيات أخرى أيضاً.
هجرة إبراهيم عليه السلام إلى الشام تهيأت فيها ظروف جيدة مختلفة عن ظروف بابل
وأوضح السيد القائد عبدالملك الحوثي أن: الهجرة أيضاً إلى بلاد الشام تهيَّأت فيها ظروف جديدة لنبي الله إبراهيم عليه السَّلام، مختلفة عما عليه الحال في بابل؛ لأن بلاد العراق كان يحكمها النمرود طاغية، طاغوت، مستكبر، متكبر وظالم، ولكن لا يمتد حكمه وسلطته، وسيطرته لا تمتد إلى بلاد الشام، كانت متحررة من سيطرته.. في تلك الآونة، الظروف والأجواء والبيئة المتاحة في بلاد الشام، قد لا تكون السيطرة المصرية عليها شديدة، أو لم تكن قد استحكمت عليها، كانت الظروف منها مهيأة لأن يتحرك فيها نبي الله إبراهيم عليه السلام برسالة الله، بالدعوة إلى الله، من دون مضايقة، ومحاربة، واضطهاد، أو مساعٍ لاستهداف حياتهم، أو منع له، وهذا أفق مهم للرسالة.. هناك الكثير من الرسل والأنبياء ممن هاجروا، وبعد هجرتهم فتح الله لهم آفاقاً جديدة لإقامة دين الله، لنشر رسالة الله، لهداية عباد الله، وانتقلوا إلى مجتمعات أكثر رشداً، وأكثر زكاءً، وأكثر تقبُّلاً لهدى الله ولرسالته ودينه.
مقارنة بين هجرة نبي الله إبراهيم ونبي الله محمد عليهما السلام
وأشار السيد القائد الحوثي إلى أن ما حدث حتى لرسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان لهجرته من مكة إلى المدينة أهمية كبيرة جداً، وفتح أفق جديد لانتشار الإسلام، وإقامة الأمة الإسلامية، والدين الإسلامي، وانتصار أمر الإسلام، وما ترتب على ذلك، كانت ميلاداً للأمة الإسلامية امتدت بركاته وتمتد إلى آخر أيام الدنيا.. مستشهدا بقوله تعالى {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِد فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}؛ لأن من يهاجر في سبيل الله قد يكون من الهواجس ومشاعر القلق التي تنتابه، هو: مستقبله المعيشي.
وأضاف: حينما يهاجر شخص إلى بلد آخر ليس لديه فيها ممتلكات، ولا إمكانات اقتصادية، لكن حين ما تكن المسألة من أجل الله، وفي سبيل الله، وتقتضيها الحالة الدينية، يقتضيها الالتزام الإيماني، فالله سبحانه وتعالى يهيِّئ هو سَعَةً في حياة الإنسان، يسراً في أموره، وكذلك بركةً في رزقه ومعيشته… وهكذا.
العنوان الذي يجمع كل ما تفرَّق من المواصفات المهمة والطيِّبة هو عنوان الصلاح
وحول ذرية نبي الله إبراهيم تحدث السيد القائد قائلا: يقول الله تعالى {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}، يقول الله سبحانه وتعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}، هو يريد ذريةً طيِّبة، أشمل عنوان، عنوان كامل لما تريده في ولدك إذا أردته أن يكون ولداً متكاملاً في المواصفات، التي هي مواصفات كمال، كمال في إنسانيته، فـي أخلاقه، في رشده.. العنوان الذي يجمع كل ما تفرَّق من المواصفات المهمة والطيِّبة، هو: عنوان الصلاح؛ ولهذا قال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}.. إذا كان ولداً صالحاً، يعني: أن يكون راشداً، أن يكون زاكي النفس، أن تتكامل أوصافه وكمالاته الإنسانية والإيمانية والأخلاقية.. [الصلاح] هو العنوان الذي يجمع كل ما تفرَّق من الصفات الإيجابية والمهمة والراقية، التي تريدها في ولدك، عندما يكون الإنسان إنساناً صالحاً، يريد أن يكون ولده أيضاً صالحاً.
من أهم المواصفات صفة (الحِلْم)، التي وصف الله بها نبيه إبراهيم
وقال السيد القائد: يقول الله تعالى {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}، الحلم في شرحه وتعريفه، والحديث عن مدلول هذه المفردة المهمة، يشمل جوانب متعددة: هو يشمل التوازن الفكري، والنفسي، والسلوكي لدى الإنسان، الذي يتجلَّى بشكلٍ كبير حتى في حالة الغضب، والظروف المستفزة جداً للإنسان، في موارد الغضب والاستفزاز، وكذلك في حالة الرضا.. من أهم المواصفات صفة (الحِلْم)، التي وصف الله بها نبيه إبراهيم عليه السَّلام، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}.. {لَحَلِيمٌ} بالتأكيد، وصفه الله بها مع صيغة التأكيد التي تؤكِّد اتِّصافه بهذه الصفة على أرقى مستوى، على مستوى راقٍ جداً؛ لأن مختلف المواصفات بأنواعها يتفاضل الناس فيها، يتفاضلون في مستوى تحليهم بها، والتزامهم بها، فنبي الله إبراهيم كان على درجة عالية جداً.