الوقائع| تقرير..
في عالم مليء بالتحالفات المتغيرة والسياسات السرية، تنتشر تقارير واسعة أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد قاما بخداع العالم قبل وأثناء وبعد “العدوان على إيران”، يستعرض هذا التقرير الصحفي الأدلة والوقائع والسيناريوهات التي اتهم بها البعض هذين الزعيمين، مع محاولة تسليط الضوء على الخلفيات والسياقات والأهداف السياسية وراء هذه الاستراتيجيات المثيرة للجدل.
بين السياسة والإعلام وعدسات التحليل
على مدار العقد الماضي، كان التسليط على إيران ولا سيما برنامجها النووي محور اهتمام عالمي، تشابكت فيه مصالح عدة أطراف، ولا سيما إسرائيل والولايات المتحدة اللتان تسعيان إلى السيطرة على المنطقة الإسلامية.. وقد استُخدمت تصريحات إعلامية متقنة لنقل صورة معينة -سلبية- عن تهديد إيران وضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة، حتى لو تخلت القواعد الدبلوماسية عن الشفافية في بعض الأحيان.. في هذا السياق، سعا نتنياهو وترامب عمداً إلى تضخيم المخاوف وخلق بيئة سياسية متوترة لتحقيق أهداف استراتيجية داخلية وإقليمية.
إيران.. التحالفات والإستعدادات
على خلفية صراعات المنطقة الإسلامية وتنامي جدل العالم بشأن قدرات إيران على تطوير قدراتها النووية، استغل نتنياهو وجود صورة العدو المشكوك فيه، حيث قام بتوجيه لفتات وتحذيرات متكررة حول المساعي الإيرانية.. وفي الوقت نفسه، اعتمد ترامب على موقف تشكيكي من الاتفاق النووي الذي وقع معه إيران، حيث أعلن انسحابه منه في عام 2018 وأعاد فرض العقوبات، مما أعطَ منصة له للترويج لفكرة أن إيران كانت على وشك القيام بأعمال عدوانية.. محللين سياسيين أشاروا إلى إن هذين المسارين ساهما في بناء سرد إعلامي يصور إيران كعدو لا دولة، حتى وإن كانت العديد من هذه التحركات تخدم أهدافاً داخلية؛ مثل تحقيق مكاسب سياسية وتعزيز الهوية الوطنية لدى جماهيرهما.
التلاعب بالروايات الإعلامية
يُشير المحللون إلى أن الخطاب الخداعي لم يقتصر على إطلاق تحذيرات مبالغ فيها فحسب، بل امتد إلى استخدام وسائل الإعلام ونشر أخبار تحمل طابع الاستثارة، وكذلك الاستفادة من تقارير استخباراتية غير مؤكدة أو مختلقة لتأكيد المواقف المُعلنة.. ففي مرحلة ما قبل العدوان، استُخدمت تصريحات منتظمة من المسؤولين في إسرائيل وكذلك تصريحات ترامب لتكوين ما يشبه الحملة الإعلامية التي تُبرز إيران على أنها تهديد حقيقي لا بد من القضاء عليه؛ وقد تم ذلك عبر ثلاث خطوات “اختيار المعلومات بعناية، وتصوير الأمة بشكل مفرك، والتأثير على الرأي العام الدولي”.. حيث تم إبراز تقارير استخباراتية مؤيدة لفكرة أن إيران على وشك الانقضاض على دول الجوار، بينما تم تجاهل تقارير تُظهر جوانب أخرى من الحسابات الدبلوماسية.. وفي الخطوة الثانية استخدمت الصور والفيديوهات والتحليلات المموهة لتقديم رواية واحدة موجهة لجعل الرأي العام يتبنى مواقف حازمة ضد إيران.. أما الخطوة الثالثة فكانت من خلال تغطية إعلامية مكثفة، تم ضرب صورة إيران في العقول حتى صار الدعم الحاسم لإجراءات العدوان دلالة على التضامن الدولي ضد تهديد مشتبه تم صناعته من الوهم.
بهذا الأسلوب، يُزعم بأن الرؤساء طيلة فترة ما قبل وأثناء وبعد العدوان قد دخلا في حوار إعلامي تحكّمي، هدفه ليس فقط تبرير سياساتهم الخارجية بل إعادة تشكيل الموقف الدولي تجاه إيران.
الأهداف السياسية وراء “الخداع”
يرى بعض المحللين أن وراء هذه السياسات لم يكن هناك إعداد عسكري فقط، بل استراتيجية سياسية أوسع منها تعزيز المواقف الداخلية؛ ففي كلا البلدين، كان التأكيد على التهديد الإيراني وسيلة لتوحيد الجماهير حول القيادة، سواء في إسرائيل أو الولايات المتحدة.. فبناء صورة الشر الخارق، ساعد نتنياهو وترامب على تحقيق مكاسب انتخابية وبناء سرد يحمي مصداقيتهما أمام الناخبين.
ومن السياسات التي انتهجتها إسرائيل وأمريكا تجاه إيران، إعادة توجيه الانتباه عن المشكلات الأخرى؛ في وقت كانت فيه الأولويات السياسية تشتت الانتباه عن قضايا داخلية حساسة، جاءت هذه الخطوات لتكون بمثابة “سحابة استراتيجية” تلتقط الأنظار بعيداً عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في الداخل الإسرائيلي والأمريكي.. ومن السياسات العدائية تجاه إيران، اعادة تشكيل التحالفات الإقليمية؛ من خلال الضغط على إيران، سعى الطرفان -إسرائيل وأمريكا- إلى تعزيز علاقاتهما مع دول الخليج والقطاعات المعارضة للتأثير الإيراني، مما مهد الطريق لتعاون إقليمي أمنى استراتيجي.
إن مطاردة رؤية “الخداع” هنا لم تكن مجرد موقف عسكري أو دبلوماسي بحت، بل كانت جزءاً من إعادة هيكلة المشهد السياسي داخل كل من إسرائيل والولايات المتحدة، إلى جانب تغيير العلاقات في المنطقة العربية والإسلامية.
العدوان والتداعيات.. ما بعد الأزمة
بعد تنفيذ العمليات العسكرية أو فرض سياسات العدوان الظاهرة، يأتي دور إعادة بناء السرد الإعلامي الإسرائيلي الأمريكي ففي مرحلة ما بعد العدوان قاموا بإعادة التأكيد على النجاح؛ كان الهدف هو تصوير الخطوات المتخذة كخطوات حاسمة أدت إلى تقليص قدرات إيران، وإظهار نتنياهو كمنقذ لإسرائيل.. رافقه التغطية الانتقائية للنتائج؛ حيث اختار المعنيون في إسرائيل وأمريكا التركيز على الإنجازات العسكرية والدبلوماسية، دون تسليط الضوء على النتائج الإنسانية والاقتصادية السلبية التي خلفتها تلك السياسات، سواء بالنسبة للشعوب المحلية أو للعلاقات الدولية بشكل عام.
ومن التلاعبات أيضا تضليل الرأي العام على المدى الطويل؛ مع تلاشي الأحداث الأولية، تستمر حملات ترويج “نجاح العدوان” لتغيير أو تعديل تقييمات التاريخ السياسي الذي سيتضمن إعادة النظر في تلك الإجراءات.
تمثّل هذه المرحلة التقليدية في دورة السياسة الخارجية التي اتبعها نتنياهو وترامب، حيث تُستخدم الصورة النمطية للعدوان كدليل على حسم القرار وفعالية الإجراءات المتخذة، رغم أن العديد من النقاد يؤكدون إلى أن العمليات كانت تعتمد في جوهرها على استراتيجيات خداعية لتغيير النظرة العالمية.
شهادات وآراء من أعماق الأزمة
ترافقت هذه السياسات مع تصريحات من قبل محررين ومحللين دوليين ودبلوماسيين كانوا يشيرون إلى تناقضات بين ما يُعرض من بيانات وما يكمن وراء الكواليس.. فقد أكد عدد من الخبراء أنه تم استخدام بيانات متضاربة أو مُعدلة لصالح السرد الرسمي، مما أدى إلى صعوبة على المجتمع الدولي في تمييز الحقائق من التحريف.. ومن التناقضات التأثير النفسي على الشعوب؛ والتي أدت هذه الحملات إلى خلق حالة من الارتباك والخوف، حيث صارت بعض الدول تشعر أنها معرضة لتهديدات غير متناسبة مع الواقع الفعلي.. أضف إلى التناقضات النتائج المزدوجة؛ على الرغم من أن السياسات قد حققت بعض الأهداف الأمنية قصيرة الأجل، إلا أنها خلّفت أثراً سلبياً على الاستقرار الإقليمي والتوازن الدبلوماسي.
تأتي هذه الشهادات لتدعم وجهة النظر التي ترى أن الخداع الإقليمي لم يكن مجرد صدفة، بل نتيجة منظمة لسياسات تم إعدادها وجذبت اهتمام الرأي العام العالمي بأساليب متقنة.
في نهاية المطاف، ما لا يمكن إنكاره هو أن استخدام المعلومات المنقولة بطريقة انتقائية والتلاعب بالسرد الإعلامي كانت عوامل أساسية في تشكيل الرأي العام الدولي ضد إيران ولصالح التوسع الأمريكي الإسرائيلي.
وفي ظل استمرار هذا النقاش، يبقى السؤال قائماً حول مدى قدرة المجتمع الدولي على التفريق بين الحقيقة والسرد الملفق في زمن أصبحت فيه المعلومات تُدار وتُعاد صياغتها وفقاً لمصالح القوى الكبرى.. فالعدوان الذي شُبّه بنتاج ضغوط سياسية لم يكن مجرد حدث عسكري، بل كان مسرحاً لتمثيل أدوار سياسية معقدة، تتداخل فيها أهداف داخلية مع مصالح إقليمية ودولية.. بالتالي، يبقى المستقبل مفتوحاً أمام إعادة تقييم تلك الفترات ومحاولة الوصول إلى رؤية أكثر شفافية ودقة حول ما جرى بالفعل، وكيف استطاعت تلك السياسات أن تعيد تشكيل ملامح النظام العالمي.